لم ترد "الأمي" وصفاً لرسول الله في القرآن إلا مرتين ، ولم يوصف بها - فيما نعلم - نبياً غير محمد عليه الصلاة والسلام ، فوردت مرة في دعوة اليهود والنصارى لوجوب إتباعه على أنه "الرسول النبي الأمّي"، ثم في الآية التي تليها مباشرة من سورة الأعراف ، " قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض ، لا إله إلا هو ، يحيي ويميت ، فآمنوا بالله "ورسوله النبي الأمّي" الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون " . 
فبهذه الصفات الثلاث متتالية يوجب الله على الناس جميعاً - بما فيهم أهل الكتاب – أن يتبعوا هذا " الرسول النبي الأمّي " .
وها هنا أصل السؤال
فأن يؤمر الناس جميعاً باتباعه لأنه رسول من الله ، أمر معقول واجب ، وأن يؤمر الناس جميعاً باتباعه لأنه نبي الله ، أمر واجب أيضاً، يستسيغه كل مَدْعُو بهذه الآية ، وأما أن يؤمر الناس جميعاً باتباعه ، لأنه " لا يقرأ ولا يكتب " ، فهمٌ فيه نظر ، فلا خلاف أن اتباع " الكتاب " ومن يحمل الكتاب أولى من اتباع ما سواه . 
القرآن أَولى بالتصديق ، وظاهرُه أولى بالإتباع ، فهو من أوَّلِه كتابٌ عربيٌ مفصَّل مبيَّن . 
فـ "الأمّي" أصلها " أُمْ " أضيفت إليها ياءُ النسبة ، ك"مكِّي" نسبة لمكة ، والأم بلسان القرآن العربي : الأصل والأول ، فأم الرجل أصله وأوله ومنشأه ، كما في سورة القَصَصْ {وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في "أُمِّها" رسولاً} ، أي في أصولها وجمعها ، وليس هناك مسلم لا يعرف "أم الكتاب" التي في أول القرآن وأصله ، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم بوصف النبي المعصوم لها ، بكونها "أم الكتاب " . 
أية آل عمران دليل آخر "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكمات هن أم الكتاب " بما تحمله الآية من معاني الأصول والجوهر . 
بعثه الله من ( أم القرى ) .. فكان مبعثه من الأميين وفى الأميين وإلى الأميين 
يقول العزيز الحكيم : " فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّي "
فهو بذلك الرسول النبي "الأصل" و"الأول" بكل ما تعنيه الكلمة من معاني" الأصل" في الرسالة والمنشأ ، وحتى "أصل اللسان " . 
فهو كما في صحيح الحديث : " إني عند الله مكتوب خاتم النبيين وإن آدم لمجندل في طينته "ولم يُبعث نبي ولم يرسل رسول إلا على "لا أله إلا الله محمد رسول الله "، كما تقرره آية آل عمران " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ، قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري ، قالوا أقررنا ، قال فاشهدوا وانا معكم من الشاهدين "
"وفي الحديث الآخر : "لو كان موسى حياً ما حل له إلا أن يتبعني " . 
تبدو واضحة
فهو بهذا " أم" الرسالة والنبوة ، لم يرسل رسول ولا نبي ، إلا وأُمر باتباع " الرسول النبي الأمّي "، وأن يأمر قومه باتباعه ! وهذا ما يشهد له "إمامة " النبي للنبيين في المسجد الأقصى .
فكان بذلك كل نبي ورسول يرسل الى قومه خاصة وهو يعلم أن محمدا رسول الله ، ويأمر بها قومه ، حتى إذا أدى كل نبي ما عليه في كل الأمم ، بُعث الرسول النبي "الأمّي" عامة لكل الأمم ، فكل الرسل والنبيين مقدِّمون "خاصون" للرسالة العامة " الأم " بالرسول النبي " الأمّي " . 
فهو رسول الله الى الناس جميعاً كونه "الأمّي" ، نسبة الى منشأ الناس الأول ، وقريتهم الأم " أم القرى" ، كما في الأثر: " كانت الكعبة خشعة على الماء ثم دحى الله الأرض من حولها " ، فكانت مكة أول ما تشكل على ظهر البحر ، ثم انبسطت الأرض من حولها ، {لتنذر أم القرى ومن حولها} و{إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة} ، فمكة "أم القرى" وأصل نشأة الناس وانتشارهم ، ليكون بذلك النبي "الأمّي" للناس جميعاً ، كونه من " أم قراهم"، ومن "بيت " أبيهم الأول ، وإن تباعدت بهم السبل وتفرقت بهم الأرضون ، فهذه أرضهم "وبيت" أبيهم آدم من قبل ، فهو لهم كافة . 
أمية أخرى : 
النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو "الأمّي" الوحيد الذي تكلم بلغة الناس "الأم"، ولعل هذا الفهم الذي نطرحه ، ما قد يحل سؤالاً عظيماً ، ألا وهو
ما ورد في سورة أية إبراهيم {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} ، فأرسل نوح بلسان قومه ليبين لهم ، وكذا موسى وعيسى ، وسائر النبيين ، فإذا كان رسول الله محمد رسول الى الناس جميعاً ، وكتابه القرآن للناس جميعاً ، وجب أن يكون لسانه لسان الناس جميعاً . 
إن كان كل رسول يرسل بلسان قومه ، فيكون لسان القوم لسان نبيهم ، وأرسل محمد عليه الصلاة والسلام الى الناس جميعاً ، لزم أن يكون لسان الناس جميعاً لسان نبي الناس جميعاً محمد عليه الصلاة والسلام بلسانه العربي "الاُم" ، الذي أرسل به وأنزل به كلام الرب الذي خلق الناس جميعا . 
فهو بهذا أرسل بلسانهم "الأم" الذي كان عليه الناس أول ما كانوا ، ثم تبدلت ألسنتهم واختلفت ، فعليهم هم أن يرجعوا إلى لسانهم الأم ، لسان نبيهم "الأم" محمد . 
وليس بين كل إنسان مهما كانت لغته وعمرها وأمته وحضارتها ، ليس بينه وبين لسان النبي "الأم" إلا أم هذا الانسان وأبوه, فإن نشأ الغلام الصيني مثلاً بين العرب تكلم بلسانهم كواحد منهم بلا خلاف, دون أن يكون لخمسة آلاف سنة من حضارة قومه شأن ولا مانع .
بهذا يصبح " الرسول النبي الأمّي" واجب الأتباع بهذه الأركان الثلاثة ، أمّية الرسالة والنبيين وإمامتهم ، و"أمّية" الأرض والمنشأ في أم القرى ، وأمّية اللسان ، فهو للناس جميعا بلسانهم "الأم" وإن تبدلوا بها أي لغة كانت فهذا لسانهم "الأم" أولى بهم أن يتعلموه وأن يرجعوا له ، وهذه أرضهم "الأم" وبيت أبيهم الأول .